اقتباسات قرآنية في شعر سعدي الشيرازي
  د. أحمد السيد الحسيسي


* رحلات الشيرازي صقلت خبراته وتجاربه الإبداعية كانت ألفاظ القرآن الكريم ومعانيه أول ما اتجهت إليه أنظار أدباء الفرس ولا غرابة في ذلك، فالمتأمل في مسيرة الأدب الفارسي يدرك أنه اعتمد كلية على الأدب العربي، وكان الشعراء يفخرون بمعرفتهم باللغة العربية بنفس الدرجة التي يعرفون بها لغتهم الفارسية وأن مثل هؤلاء الشعراء كان يُطلق عليه اسم (أصحاب اللسانين) تمييزا لهم عن الشعراء الشعوبيين الذين اقتصر نظمهم على اللغة الفارسية فقط وكانوا قلة. وعلى رأس الشعراء من أصحاب اللسانين الشاعر سعدي الشيرازي الذي ولد في شيراز بإقليم فارس في أواخر القرن السادس الهجري أو أوائل السابع. ويرى الباحث الإيراني المعاصر عباس إقبال، أن تاريخ مولده يقع بين عامي 610، 615هـ (1213،1219م). والظاهر أن هذا الشاعر قد فقد أباه في حداثة سنه، فهو يشير إلى ذلك بوستانه، ويوصي بالإشفاق على اليتيم، ولقد تلقى سعدي تعليمه في شيراز حتى وفاة أبيه، وكان إذ ذاك فتى يناهز الثانية عشرة من عمره. ويروى أنه أكمل تعليمه في المدرسة النظامية ببغداد. يقال إن سعدي- بعد أن أتم دراسته في المدرسة النظامية- قضى ثلاثين عاماً في الأسفار، وإنه زار آسيا الصغرى وجاهد ضد الروم، وحملته أسفاره إلى مسافات بعيدة شرقا وغربا، ولقد ورد في كتبه ذكر لمناطق مثل الشام وفلسطين والجزيرة العربية ومصر والمغرب والحبشة وآسيا الوسطى والهند. أسفار متعددة: ولقد دفع هذا الباحثين لمحاولة استقصاء حياة سعدي من إشاراته إلى أسفاره في كتبه، وممن فعل ذلك هنري ماسيه في رسالته المعروفة عن سعدي، لكن محاولته هذه لم تلق نجاحا كبيرا في الكشف عن حياة سعدي، كما أنها لم تلق قبولاً لدى غيره من الباحثين، الذي يذهب أكثرهم إلى أن الإشارة إلى الأماكن في أعمال سعدي- هي في أغلب الأحوال- من قبيل الخيال، وأننا يصعب علينا أن نرسم صورة لرحلاته من إشاراته إلى المدن والأقاليم. ومهما يكن من أمر فالظاهر أن رحلات سعدي قد حملته إلى مناطق مختلفة من العالم، وأنه قد اكتسب في رحلاته كثيرا من التجارب والخبرة بالحياة، فقد سبقه إلى الترحال عشرات العلماء، وكذلك طاف بالعالم من بعده كثير من الرحالين. ولقد عاد سعدي إلى موطنه شيراز نحو 653 أو 654 في أواخر عصر الأتابك أبي بكر سعد بن زنكي. وهو من أتابكة فارس الذين نجحوا في تجنيب أقليمهم ويلات، الغزو المغولي، التي كانت قد أصابت العالم الإسلامي، ووصلت في مدها إلى كثير من مناطق إيران، ثم وصلت إلى عاصمة الخلافة بغداد عام 656هـ. وقد انتهى أمر أتابكة فارس عام 662هـ بعد أن عاش المتأخرون منهم اتباعا للمغول. أتيح لسعدي أن يستقر في مدينته شيراز- بعد عودته إليها من أسفاره- قرابة ثلاثين عاماً، قضاها في رعاية الأتابكة، ثم استطاع بعد زوال ملكهم أن يتقرب من المغول، وله مدائح تدل على نجاحه في اكتساب ثقتهم أو على أقل تقدير، في تجنب أذاهم. ولقد كانت فترة إقامة سعدي في شيراز فترة خصوبة أدبية في حياته المديدة، فبعد قليل من استقراره فيها أصدر عمليه الكبيرين البوستان والكلستان، فتاريخ صدور البوستان هو عام 655هـ، أما الكلستان فصدر عام 656هـ. ومن المفروض أن الشاعر لم ينظم عملا كالبوستان وكتاباً كالكلستان بهذه السرعة، بل إنه كان قد أعد مادتهما من قبل، ثم كان إصدارهما بعد استقراره في موطنه خلال هذه المدة الوجيزة. وإلى جانب البوستان والكلستان نظم سعدي كثيراً من الغزليات والقصائد، وأبدع إبداعاً مرموقا في هذين الفنين، لقد عُد سعدي أستاذا لفن الغزل. فعلى يديه بلغ هذا الفن غاية نضجه، وهو الذي مهد السبيل لظهور شاعر الغزل العبقري حافظ الشيرازي. مشاركة لغوية: بدراستنا لأعمال سعدي ندرك أنه كان واسع المعرفة بالثقافة الإسلامية، وأنه كان يجيد العربية، إلى جانب براعته في لغته الفارسية (1). ويصور سعدي امتزاج الأداب الإسلامية تصويراً قوياً، ففي كليات سعدي وهي أثاره المجموعة قصائد عربية، وقصائد فارسية، وملحمات، وهذه الملحمات تقوم على المشاركة بين اللغتين العربية والفارسية. وسعدي صاحب مشاركة وانفعال بما يجري في العالم الإسلامي. وقصيدته التي رثى بها بغداد بعد تخريبها على يد المغول وقتل خليفة المسلمين المستعصم في سنة 656هـ=1258م قصيدة مشهورة، وتعد شاهدا لنا فيما نقول، ولم يكتف بالشعر الفارسي في رثاء بغداد والخلافة الإسلامية بل نظم أيضا شعر عربيا في هذا المعنى(2). ويعد الشاعر سعدي الشيرازي من أشهر شعراء الفرس الذين اقتبسوا من معاني القرآن الكريم. ومن أمثلة هذه الاقتباسات في أدب سعدي قوله: - بنكرش هرجه بيني درخروشست ولي داند درين معنى كوشست ته بلبل بركَلش تسبيح خوانسيت كه هرخاري به تسبيحش زبانيست ومعناه: كل ما تراه في هذا الكون مشغول بذكره يدرك هذا المعنى كل من كان له أذن وليس البلبل هو الذي يسبح وحده فوق الورود ولكن كل شوكة لها هي الأخرى لسان تسبح به أخذ المعنى من قوله تعالى: (يسبح لله ما في السموات و ما في الأرض). أو قوله تعالى (سبح لله ما في السموات وما في الأرض). ومن ذلك أيضا قول سعدي: زن بد درسراي مردنكو هم درين عالمست دوزخ او زينها راز قرين بد زنهار وقنا ربنا عذاب النار ومعناه: إن المرأة السيئة في بيت الرجل الصالح، تذيقه عذاب جهنم في هذا العالم فاحذر من قرين السوء احذر، وقنا عذاب النار. وقوله: أي قناعت توانكرم كردان كه وراى توهيج نعمت ننيست كنج صبرا اختيار لقمانست هركرا صبرنيست حكمت نيست ومعناها: أيتها القناعة أغنني، فليس بعدك نعمة. وقد اختار لقمان كنز الصبر، وكل من لا صبر له ، لا حكمة له. مأخوذ من قوله تعالى: (واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور). ويقول سعدي في خطيب كريه الصوت إن صوته كنعيب غراب البين وفي حقه آية (إن أنكر الأصوات لصوت الحمير). ويقول سعدي: جو دوخ كه سيرش كنند از وقيد ذكريانك دار دكه هل من مزيد ومعناه: حين تمتلئ جهنم بالوقود تصيح مرة أخرى هل من مزيد، أخذه من قوله تعالى: 0 يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد) (3). الهوامش (1)د. محمد عبد السلام كفافي-في الأدب المقارن- دراسات في نظرية الأدب والشعر القصصي- ص 531- دار النهضة العربية بيروت 1972م. (2) د. طه ندا- الأدب المقارن- ص 109- دار المعرفة الجامعية- الإسكندرية 1987م. (3) د. طه ندا- الأدب المقارن – ص 130- دار المعرفة الجامعية – الإسكندرية 1987م. نشر في مجلة (الأدب الإسلامي)عدد(1)بتاريخ (1414هـ)