جهود الإيرانيين في الترجمة من العربية إلى الفارسية
بقلم أ. د. محمد نورالدين عبدالمنعم- مصر
يرجع اهتمام الإيرانيين باللغة العربية وآدابها إلى ذلك الوقت الذى دخل
فيه الإسلام إلى بلادهم وأخذت اللغة العربية تنتشر بين ربوعها، وأصبحوا
ينظرون إليها نظرة مقدسة بصفتها لغة القرآن والدين الجديد، فتعمقوا فى
دراستها حتى يتمكنوا من فهم دينهم وكتابهم الكريم، مما ساعد على انتشار هذه
اللغة ورواجها.
والمعروف أن اللغة العربية ظلت فى المرتبة الأولى من الناحية الأدبية حتى
أواخر القرن الثالث الهجرى تقريبا، حين أخذت القومية الفارسية تنهض من
جديـد، وتحاول أن تحيى معها اللغة الفارسية الحديثة أو الإسلامية، والتى
اعتمدت فى كثير من كلماتها ومصطلحاتها على اللغة العربية، كما أنها كتبت
أيضاً بحروف عربية. ونتيجة لهذا التأثر بالعربية وآدابها، فقد أصبح من غير
الممكن أن يكتب الكاتب أو ينظم الشاعر شيئا بالفارسية بحيث تكون كتابته
خلوا من الألفاظ العربية. ونرى كتّاب الفرس القدامى يشيرون إلى أهمية
الإطلاع على الأدب العربى والاقتباس منه، ومن هؤلاء النظامى العروضى
السمرقندى صاحب كتاب "المقالات الأربع" (چهار مقاله) المؤلف فى عام 550هـ
وغيره، بل إن شاعرا كمنوچهرى الدامغانى (متوفى سنة 432هـ) يعيب على أحد
الشعراء عدم خبرته ودرايته بالشعر العربى، ويفخر بنفسه وبتفوقه فى هذا
المجال، ويقول ما ترجمته:
إننى أحفظ كثيرا من دواوين أشعار العرب،
وأنت لا تستطيع قراءة: ألا هبى بصحنك فاصبحين.
إشارة إلى معلقة عمرو بن كلثوم ومطلعها:
ألا هبى بصحنك فاصبحينا ولا تبقى خمور الأندرينا
وقد ظلت اللغة العربية هى اللغة الأولى من الناحيتين الأدبية والعلمية
خلال العصر: الصفارى والسامانى والغزنوى، إذ نجد كثيرا من المؤلفات قد كتبت
بالعربية، وظلت هذه اللغة لغة للرسائل والدواوين. وهناك من العلماء
الإيرانيين من ألف بالفارسية والعربية مثل ابن سينا (متوفى 428هـ)، وأبى
حامد الغزالى (متوفى 505هـ)، ونصير الدين الطوسى (متوفى 672هـ)، وغيرهم.
وهناك من الكتاب الفرس من ارتبطت شهرتهم باللغة العربية وآدابها أكثر من
الفارسية، ونذكر من هؤلاء الصاحب بن عباد (متوفى 385هـ)، وعبدالقاهر
الجرجانى (متوفى 471هـ)، وبديع الزمان الهمذانى (متوفى 398هـ)، والزمخشرى
(متوفى 538هـ)، وغيرهم.